متابعة – علاء حمدي
ألقت الدكتورة ” ليلي الهمامي ” الخبيرة السياسية التونسية واستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن ، الضوء علي المشاركة السياسية للمرأة التونسية حيث شهدت تونس، منذ الفترة التي سبقت الاستقلال، ولادة تيار نسوي قوي وقف جنبا الى جنب مع الرجل ضد المستعمر. لذلك كان من المتوقع أن تتميز المرأة باكتساب المكانة التي تتلاءم مع ما قدمته من تضحيات للحصول على المنافع التي تقدمها الجمهورية الحديثة ودولة القانون لكن الواقع لم يكن كذلك بل أن المشاركة السياسية للمرأة لم ترقى الى ما هو موجود في البنود والقوانين المنظمة للحياة السياسية. وعليه فانه ينبغي التمييز بين فترتين تاريخيتين أساسيتين هما: فترة الجمهورية الحديثة وفترة ما بعد 14 جانفي 2011.
واضافت ” ليلي الهمامي ” أنه لا وجود لإرادة حقيقية من الأحزاب السياسية وأصحاب القرار السياسيين في تمكين النساء من الارتقاء إلى مناصب سياسية لها سلطة القرار وأنه غالبا ما يتم استبعاد النساء من بعض الأنشطة أولا يقع إعلامهن بها. كما تواجه النساء صعوبات لتمويل ترشحاتهن ووجود ممارسات تمييزية من قبل الأحزاب في تمويل أنشطة الحملة الانتخابية. زد عليه الترشيح الضعيف للنساء من قبل الأحزاب السياسية للانتخابات والمراهنة على المرشحين الذكور كرؤوس قائمات. لكن مع هذا الواقع ألا متناسق مع ما يتم ترويجه اعلاميا عن المشاركة السياسية للمرأة فانه يمكن تدارك ما سبق وتعزيز المشاركة النسوية في الحياة السياسية التونسية.
وأرجعت استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن ” ليلي الهمامي ” انخفاض نسبة مشاركة المرأة إلى ضرب مبدأ التناصف في القانون الانتخابي الجديد، مؤكدة أن تمثيل المرأة في البرلمان القادم سيكون الأقل، سواء قبل الثورة أو بعدها. وألقت باللائمة في ذلك على “الدولة التي لم تُكرّس مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين، ولم تُحقق العدالة الاجتماعية بالحد من كل أشكال العنف ضد المرأة، بما فيه العنف السياسي والاقتصادي المسلط على النساء في الوصول إلى مواقع القرار” وأن مسألة حضور المرأة والشباب في الحياة السياسية يتم توظيفها في الحملات الانتخابية، لتحسين صورة طرف سياسي على حساب بقية الأطراف . وأن الصورة الحقيقية للمشهد السياسي التونسي ذكورية بامتياز، وكانت تغطى بستارة “التناصف”، وعندما أُزيح كشف ضعف حضور المرأة في الحياة السياسية من خلال غيابها عن الترشح الفردي، وهو ما يعبر عن وعي المرأة التونسية لكونها مجرّد ورقة يتم توظيفها لمصالح سياسية، وحضورها شكلي فقط، فأصبحت لديها أزمة ثقة في السياسة والمجتمع المدني والأحزاب على حد سواء.
واكدت ” ليلي الهمامي ” علي ضرورة تخطي عوائق التمكيـــــــــن السياســـي للــــــمرأة وذلك من خلال تعزيز حضور المرأة في وسائل الاعلام حيث إن أهم ما يعيق التمكين السياسي للمرأة هو إقصاءها من الإعلام الذي يركز عادة على الرجال ويرفض التعاطي بأكثر مرونة وتمثيلية مع النساء. فرغم عديد النضالات التي تقوم بها النساء نجدهن غائبات عن الساحة الإعلامية. هذه الأخيرة هي الواجهة التي ستمكن النساء من كسب ثقة جمهور الناخبين. وفي المقابل يقتصر التركيز عليهن في الأعياد الخاصة بالنساء. هذه المناسباتية في التعاطي مع المرأة وملفاتهن الحقوقية ليست سوى مجالا لتلميع صورة السياسيين الفاعلين على المستوى الوطني وفي الواقع هي لا تخدم في شيء حقوق المرأة. فالتركيز لا يتم الا على ما هو مكتسب وليس على ما يمكن للمرأة أن تضيفه الى رصيدها الحقوقي.
واشارت ” ليلي الهمامي ” الي الاعتراف بمكانة النساء المؤثرة في الخارطة السياسية التونسية رغم أن عديد الاحزاب اعتبرت المرأة كخزان للأصوات واستفادت منها وخاصة حزب حركة نداء تونس العلماني الذي اوصلته النساء الى سدة رئاسة الدولة حيث صوتت مليون امرأة للباجي قائد السبسي وفقا لسيجما للاستشارات. وكانت النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية أن فاز السبسي بنسبة 55,68 بالمائة مقابل 44,32 بالمائة للمرزوقي. وتكمن أهمية هذه الانتخابات في تحليلها على مستوى الجندر اذ صوّت الرجال للسيد المرزوقي بـ 46,8 بالمائة مقابل 39 بالمائة فقط من النساء، بينما صوتت النساء بصفة أكثر كثافة للسيد قائد السبسي بـ 61 بالمائة مقابل 53,2 بالمائة فقط للرجال. وقد يكون الناخب النموذجي للمرزوقي هو رجل، شاب أو شاب كهل من ولايات الجنوب مقابل امرأة كهلة أو رجل كهل ما فوق الخمسين من ولايات الشمال والساحل وتونس الكبرى. فأولى خطوات التغيير تبدأ بالاعتراف اذ لا يمكن للأحزاب السياسية أن تتخلى عن منطق النفعية ما لم تعترف بما للنساء من وزن في تغيير اللعبة السياسية.
ودعت ” ليل الهمامي ” القوي السياسية نحـــــــــو تعزيز تمثيل المرأة في المناصــب السياسيــــة العليــــا بالرغم من مشاركتها في الحراك الاجتماعي الذي سبق الثورة ومساهمتها في اسقاط النظام فان ذلك لم يترجم بنتائج ملموسة بما أنه ” من ضمن 1500 تسمية في مختلف مواقع اتخاذ القرار لا نجد سوى 7% من النساء. وهذا الضعف في تمثيلية النساء في مراكز القرار ليس ناتجا عن غياب الكفاءة النسوية بل بالعكس تصل نسب تمدرس الفتيات في الجامعة الى اعلى النسب. فمن مجموع 23.000 استاذ قار ومتعاقد بالجامعات التونسية نجد أن النصف متكون من النساء ولكن في المقابل على 13 رئيسا للجامعات التونسية لا نجد أية امرأة وحتى حظوظ النساء في المجالس العلمية للجامعات ضعيف حيث تتراوح نسبة النساء في هاته الهيئات في الـ20 %.
ووضحت ” لي الهمامي ” تمثيل المرأة التونسية في المجاس النيابية حيث أفرزت انتخابات 2011 في نهاية المطاف عن انتخاب مجلس وطني تأسيسي متكون من 217 نائبا منهم 65 امرأة بنسبة 29.95%. ولا ترأس أية امرأة مجموعة برلمانية. ومن بين 16 لجنة برلمانية تعد في المجموع 101 نائبا توجد 28 امرأة فقط. أما في 2014 فقد بلغت نسبة تمثيل المرأة في مجلس نواب الشعب حوالي 31 بالمائة من اجمالي 217 نائبا. واحتلت حركة نداء تونس التي حصدت 85 مقعدا في الانتخابات البرلمانية المركز الاول من حيث عدد النائبات اللاتي بلغ عددهن 35 نائبة بينما تحصل حزب النهضة على 96 مقعدا من بينهن 28 امرأة. اما حزب الاتحاد الوطني الحر وائتلاف الجبهة الشعبية فقد حصلت نائبات كل منهما على مقعد. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 2011 تم إسناد منصب النائب الثاني لرئيس المجلس الى امرأة وهي محرزية العبيدي (عن حزب حركة النهضة). هاته السابقة تكرّست مع انتخابات 2014 التي جاءت بمجلس نواب الشعب حيث تقلدت فوزية بن فضة (عن الاتحاد الوطني الحر) نفس المنصب.
وسلطت ” ليلي الهمامي ” الضوء علي وصول المرأة الى مراكز صنع القرار حيث تعززت هذه الفجوة الهامة بين القدرة الهائلة على الالتزام والتعبئة والمشاركة للنساء وبين حضورهن الفعلي في الهيئات السياسية خلال فترة الانتقال الديمقراطي، حيث مثلت النساء بنسبة منخفضة تتراوح بين ما يقرب من 7٪ إلى 10٪، خلال الفترة الانتقالية الأولى (فيفري 2011 إلى ديسمبر 2014). وبالنسبة لتقلد المرأة لحقائب وزارية نجد ان كلا من حكومة محمد الغنوشي (17 جانفي 2011 -27 فيفري 2011) وحكومة محمد الباجي قايد من الأولى (27 فيفري – 13 ديسمبر 2011) والثانية (13 ديسمبر 2011- 24 ديسمبر 2011 ) ومحمد الجبالي (24 ديسمبر2011 – 13 مارس 2013 والمهدي جمعة (27 جانفي2014 – 06 فيفري 2015) أعطت حقيبتين وزاريتين فقط للمرأة أما حكومة العريض (من 13 مارس 2013 إلى 9 جانفي 2014) فلم تخصص سوى وزارة واحدة للمرأة وتراوحت المناصب الوزارية بين المرأة، الثقافة، الصحة، البيئة، التجارة والصناعات التقليدي والسياحة. أما فيما يخص كتاب الدولة فقد تم تعيين كاتبة دولة مكلفة بالسكن في حكومة الجبالي أما في حكومة علي العريض فقد انضافت لها كاتبة دولة مكلفة بالشؤون الخارجية ثم تراجعت مع حكومة مهدي جمعة إلى كاتبة دولة واحدة مكلفة بالمرأة والأسرة نظرا لأنه تم في تلك الفترة إلغاء وزارة المرأة والأسرة وإدماجها مع وزارة الشباب.
وبالعودة لإحصاءات الانتخابات التشريعية عام 2014، تشير الأرقام إلى ترشح 5502 امرأة من بين 11 ألفا و686 مرشحا، أي بنسبة 47%، إلا أن ترأس النساء للقائمات بلغ 178 امرأة فقط من جملة 1327 قائمة مترشحة، أي بحوالي 12%، وكانت هذه النسبة نحو 7% في الانتخابات التشريعية عام 2011. وعلى مدى الأعوام السابقة، وُجدت المرأة التونسية بنسبة 29% في المجلس التأسيسي عام 2011، وبنسبة 31% في مجلس نواب الشعب عام 2014، في حين كانت نسبتها في برلمان عام 2019 نحو 24%. ومن الجدير بالذكر أن الانتخابات التشريعية التونسية المقررة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل تختلف عن سابقاتها من حيث عدد المترشحين ونوعهم، حيث ستجرى الانتخابات بالنظام الفردي لا بنظام القوائم. كما أن العدد الإجمالي للمترشحين -المقدر بـ1427 مترشحا- هو الأضعف إذا ما قورن بانتخابات 2011 (1517 قائمة)، وانتخابات 2014 (1327 قائمة)، وانتخابات 2019 (1500 قائمة)، مما يعني أن عدد المترشحين هو ضعف عدد المترشحين لتشريعية 2022.
والجدير بالذكر أن القانون الانتخابي الذي عدّله الرئيس سعيّد كان محل انتقادات كبيرة من قبل منظمات المجتمع المدني وجمعيات مراقبة الانتخابات والأحزاب بما فيها القوى الداعمة له. فحركة الشعب الموالية للرئيس نفسه لم توافق على هذا القانون بسبب ثغراته وتعقيداته رغم أنها تعتبر أن الانتخابات المقبلة مهمة. وتقاطع عشرات الأحزاب البارزة الانتخابات التشريعية المقبلة أبرزها حركة النهضة وخصمها الحزب الدستوري الحر وعدد من الأحزاب الوسطية مثل التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وأحزاب يسارية مثل حزب العمال وغيرها. وجميع هذه الأحزاب ترفض في الأصل ما تصفه بـ”المسار الانقلابي” لقيس سعيد. وإن قانون الانتخابات الحالي “فرع من أصل”، وإن حزبه يرفض الأصل “وهو الدستور الجديد الذي صاغه سعيّد بشكل منفرد دون إشراك القوى السياسية والمجتمعية، وحتى أنه ضرب بمقترحات الهيئة الاستشارية عرض الحائط”.
ويذكر ايضا أن مشاركة النساء في انتخابات 2011 حصدت نسبة النساء المشاركات في العملية الانتخابية نسبة أعلى من الرجال وهو ما يحيلنا الى الاقرار بأن النساء كنّ على دراية بحقوقهن المدنية والسياسية. فقد شكلت النساء نسبة 46 % من مجموع الناخبين المسجلين إراديا، و48 % من جميع المرشحين على القوائم الانتخابية ولأن القانون الانتخابي لسنة 2011، نصّ على المناصفة العمودية، ولم ينصّ على المناصفة الأفقية، مما جعل الكثير من الأحزاب لا تضع المرأة على رأس القوائم الانتخابية، وهو ما أضعف فرصتها في الفوز بمقاعد إضافية. هذه الحقيقة تؤكدها الأرقام، إذ، على الرغم من ان 47% أي 5502 من المرشحين من مجموع 11686 على القائمات الانتخابية هن من النساء، فان عدد القائمات التي ترأستها النساء، بالنسبة للانتخابات التشريعية في 2014، كان العدد هو 178 من جملة 1327 قائمة مترشحة أي بنسبة حوالي 12% (ومن بين 27 قائمة مستقلة ترأستها النساء لم تنجح أي واحدة منهن). في حين بلغت 7% فقط بالنسبة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011.