لبنان يتراجع 23 مرتبة دفعة واحدة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة وهو اليوم يحتلّ المرتبة 130 من أصل 180 دولة في حين كنا العام الماضي في المرتبة 107 وهذا التصنيف صادر عن منظمة مراسلون بلا حدود..ولا بدّ من التذكير بقضية إختطاف المصور اللبناني سمير كساب منذ تسع سنوات داخل الأراضي السورية..
في النصوص أوضاع الحريات في لبنان بألف خير فالدستور اللبناني يكفل حرية الرأي وكذلك المواثيق الدولية التي صادق عليها لبنان ولعلّ الفقرة (ب ) من مقدمة الدستور اللبناني أوضح صورة لأهم نص يعلو ولا يُعلى عليه : ” لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بمواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسّد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات من دون إستثناء”
منذ وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا والملاحقات والإدعاءات بحق الناشطين وقادة الرأي والصحفيين بالعشرات .. والنيابات العامة تتحرك تلقائيا لملاحقة الناشطات والناشطين والأجهزة الأمنية تحضر الى المنازل للسؤال والبحث عن كل من يكتب آراءه ومواقفه المنتقدة لرئيس الجمهورية وكأننا في دولة بوليسية ممنوع فيها التعبير عن الرأي.. وكم تمنينا لو أن هذه الهمّة والنشاط يبرزان في ملاحقة حملة السلاح المتفلّت والمطلوبين أمام عدالة المحقق العدلي بجريمة إنفجار المرفأ إلا إذا كان التعبير عن الرأي بات أخطر على الأمن القومي من الجرائم الجنائية..
منذ إندلاع إنتفاضة تشرين الأول 2019 والحملة الشرسة ضدّ معارضي طاقم الحكم وكذلك المعارضة بوجه ميليشيا حزب الله تأخذ طابعا عنفيا وجزء منه عبر وسائل التواصل الإجتماعي وأتباع السلطة والمحازبين والموالين للميليشيا يسلكون طريقا لا يقل عن ممارسة القمع والإرهاب المسلح حيث نشهد لحملات تكفيرية تخوينية هدّامة غير مسبوقة في مجتمعنا اللبناني..
حتى في الإنتخابات الأخيرة حيث حصل إعتداء جسدي على مرشحين طاولهم مع أفراد عائلاتهم ومنهم من سحب ترشيحه تحت وطأة التهديد بالقتل لكن السلطة هنا كانت شاهد ما شافش حاجة .. ولا بدّ من الإشارة هنا الى الإعلام الأصفر الذي وفي أحيان كثيرة يسرّب محاضر تحقيقات عبر صفحاته الأمر الذي يدعو الى التشكيك بالتحقيقات ومن يقف وراءها.
خلال السنوات القليلة الماضية شهدنا تدهورًا خطيرًا على مستوى حرية التعبير والتأثير على الحريات الإعلامية في لبنان الأمر الذي حدا بمنظمة هيومن رايتس ووتش ومعها أكثر من 13 مؤسسة لبنانية ودولية الى توحيد الجهود لمواجهة محاولات السلطة في قمعها للحريات العامة.
ومما لا شك فيه أن إغتيال المفكر والمعارض لقمان سليم كان من أبشع صور قمع الحرية عبر التصفية الجسدية والأخطر أن ملف التحقيق حتى اللحظة لم يصل الى أية نتائج والعائلة تنتظر إشارات حول خلفيات قتل إبنها الذي كان سلاحه الوحيد القلم والفكر والكتاب والموقف..
كلنا يا سادة بتنا في دائرة الخطر..وكلنا أصبحنا عرضة للتهديد في حين أن معارضتنا كانت وستبقى معارضة مدنية سلمية سلاحها الموقف والكلمة لكن من الواضح أننا نواجه أخطبوط إرهابي لا يفقه إلا بلغة القتل والتصفيات والتضييق والإلغاء.
إن المضايقات والملاحقات من قبل الأجهزة ضدّ قادة الرأي في لبنان لا يمكن السكوت عنها وقد شهدنا عشرات الإعتداءات على المتظاهرين خلال تعبيرهم عن رأيهم بوسائل وطرق سلمية وحضارية.. من منا ينسى سلوك عناصر شرطة المجلس النيابي.. من منا ينسى القسوة المفرطة في قمع المتظاهرين..وهذا الكلام موّثق بالصوت والصورة ولم نسمع بمحاسبة من قام بالإعتداء على المواطنين الآمنين العزّل وقد نال أهالي ضحايا وشهداء إنفجار المرفأ نصيبهم من تلك الإعتداءات.
وفي حين يفلت المرتكبون من العقاب يصار الى إستدعاء العشرات أمام المفارز والمخافر والمحكمة العسكرية لاستجوابهم بتهم جنائية تتعلق بالقدح والذم وكأن جرم القدح والذم بات أخطر من الذين فجروا بيروت أو من أرتال المسلحين الذي قاموا بغزوة عين الرمانة..
وعلى سيرة عين الرمانة أين أصبحت شكوى اهالي عين الرمانة ضد زعيم حزب الله السيد حسن نصرلله؟ وماذا عن الإخبارات العديدة ومنها قضية القرض الحسن؟
لبنان يا سادة كان وسيبقى منارة للحريات العامة ولحرية التعبير ولحرية الصحافة ولحرية الرأي ولحرية الأحزاب والرئيس أو السياسي أو الزعيم الذي يضيق صدره بالإنتقاد يفلّ ع بيته..
السياسي مهما علا شأنه الذي لا يتحمّل الرأي الآخر ولو كان معارضا له لا يستحق أن يبقى لحظة على كرسيه.. ما من أحد إعتدى على صحافي في لبنان أو صاحب رأي إلا وخسر والرابح دائما الحرية.. لا تطبّقوا المثل “يا رايح كتّر القبايح”.. والنصيحة كفوا عن الملاحقات بحق الإعلاميات والإعلاميين وأوقفوا عنترياتكم فقادة الرأي لم يقتلوا أهالي بيروت ولا هم أوصلوا راتبكم الى 50 دولار ولا هم من دمّر المدرسة والمستشفى والجامعة..هل يُعقل أن عدد التحقيقات في قضايا القدح والذم فاقت الخمسة آلاف تحقيق؟
إن الجبهة السيادية من أجل لبنان تعتبر أن مكانة لبنان كمنارة الحريات يجب المحافظة عليها والملاحقات الجنائية والإعتقال وحجز الحرية يتناقض مع الدستور وشرعة حقوق الإنسان وإننا في الجبهة سنواكب هذه القضية كونها قضية جوهرية ذات صلة بوجودنا الحر بسمعتنا وبتاريخ هذه الأرض الممتلىء بالحرية والكرامة والصحافة الحرة .