الابتكارات في الميدان الحرجي سبيل إلى حماية كوكبنا
إعداد Zhimin Wu، مدير شعبة الحراجة لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
يقف المجتمع الدولي اليوم عند مفترق طرق لمواجهة التحديات التي تزداد حدّة يومًا تلو الآخر أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
فأزمة المناخ باتت جلية من خلال فعاليات الطقس القصوى كموجات الجفاف والفيضانات المتكررة بوتيرة أكبر. إذ تسفر هذه الاضطرابات البيئية عن تردي حالة الفقر والجوع وتفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، ما يُبرز حاجة ملحّة إلى الاستجابة بصورة عاجلة وعلى نطاق واسع.
وهنا تبزغ بارقة الأمل من التكنولوجيات المبتكرة وسط هذه التحديات الهائلة. إذ تبقى البراعة البشرية قادرة على تمهيد الطريق الذي يقودنا إلى مستقبل ينعم بالاستدامة، وبالتالي تحقيق تحولات تلعب غاباتنا فيها دورًا محوريًا.
فالغابات تغطي ما يربو على ثلث مساحة اليابسة على كوكبنا، موفرة له ولكائناته الحيّة الحماية. أضف إلى ذلك أن سبل كسب العيش والتمتع بالصحة تعتمد على الغابات، حيث توفر هذه الغابات الغذاء والوقود والألياف، وتمدّ بالمنتجات الدوائية والخشبية وغير الخشبية التي تفيد الملايين من البشر وتساعد على تنظيم أحوال المناخ والموائل.
كما يمكن للغابات أن تلعب دورًا أعظم في التنمية المستدامة إذا ما تم اتباع أساليب مناسبة في الحفاظ عليها وإصلاحها واستثمارها بصورة مستدامة، الأمر الذي يستدعي تعزيز إمكانية الغابات والأشجار من خلال الاستثمار في تكنولوجيات شمولية.
لا شك أن العلوم والتكنولوجيا تأتي في صُلب خطة التنمية المستدامة حتى عام 2030، ما يستدعي من الحكومات في جميع أنحاء المعمورة إيجاد ثقافة الابتكار واعتبارها أولوية لها. فالابتكارات في الميدان الحرجي تُظهر قوة المصاهرة بين البراعة والاستخدام المستدام للموارد.
وهنا يجدر بالذكر أنه بفضل الابتكارات العلمية يمكن لأي شي مصنوع من النفط الخام أن يُصنع من مواد توفرها الأشجار.
لقد بات البلاستيك القابل للتحلل الأحيائي المشتق من الخشب يحلّ محلّ البلاستيك الضار الذي يهدد صحة التربة وجودة المياه والرفاه البشري وصحة الحيوان. فالمباني التي نعيش ونعمل فيها تُشاد اليوم من الخشب المستدام سريع النمو ويُستخدم فيها قشر الخشب المصنّع باستخدام التكنولوجيات الحديثة. كذلك الملابس التي نرتديها يمكن أن تُصنع من ألياف مستدامة مستمدة من الأشجار. أضف إلى ذلك البطاريات التي كانت تصنع من مواد أولية مستخرجة من الأرض كالغرافيت على سبيل المثال، باتت تُصنع اليوم من مواد مستخلصة من الخشب.
حتى الرحلات الفضائية أصبحت تعتمد اليوم حلولًا قائمة على الخشب، حيث يتم تجهيز قمرًا اصطناعيًا مصنوعًا من أشجار المغنوليا ليتم إطلاقه لاحقًا هذا العام، ما يساعد على خفض كمّ الحطام المتناثر في الفضاء وذلك باحتراقه كليًا عند عودته ودخوله إلى الغلاف الجوي للأرض.
إلى ذلك، هنالك حلول جديدة تظهر يومًا تلو الآخر لتسريع عمليات حفظ الغابات وإصلاحها واستخدامها المستدام. فكل جانب من جوانب الحراجة يعيش اليوم ثورة تهدف إلى حماية النظم الإيكولوجية الحرجية والتنوع الأحيائي لكوكبنا من حرائق الغابات والآفات والأمراض وإزالة الغابات.
فقد بتنا نشهد اندلاع حرائق الغابات بتواتر وشدة أكبر. ما يُبرز بالتالي أهمية الطريقة المتبعة في استجابتنا لهذه الحرائق.
تتمتع الطائرات المسيّرة “درون” بالقدرة على كشف الحرائق وتحديد اتجاه انتشار النيران، ما يحمي الغابات من حتمية تدميرها. هذا بالإضافة إلى تمكن هذه الطائرات من تحديد مواقع إزالة الغابات وتدهورها، وقدرتها أيضًا على التقاط صور عالية الدقة تفيد في رسم الخرائط وتوفير حماية أكبر للغابات من سوء الاستخدام والاحتطاب غير المشروع.
بات الذكاء الاصطناعي يدعم فعليًا جهود وقف إزالة الغابات وتدهورها، ويساعد على تصحيح هذا المنحى. فالذكاء الاصطناعي قادر على معالجة كمّ هائل من البيانات في المجالات التي يكون التعقب الجنائي فيها مطلوب لمراقبة استخدام الغابات وتنظيمه. أضف إلى ذلك أن الذكاء الاصطناعي يتسم بالقدرة على مكافحة الآفات والكشف عن الكائنات الغازية من ثدييات ونباتات ولافقاريات.
تُميط مطبوعة “حالة الغابات في العالم 2024” التي تصدرها منظمة الأغذية والزراعة [رابط] – التي نُشرت اليوم – اللثام عن القدرة التحويلية التي تتمتع بها الابتكارات القائمة على الدليل في قطاع الغابات.
لا شك أن الابتكارات لا ترى النور في الخواء. فهي تستدعي توافر الإرادة على كافة الأصعدة، كما تتطلب الرغبة في المجازفة وتبادل الأفكار من كل قطاع من قطاعات المجتمع. وهنا يتعين على الحكومات والمنظمات الدولية والشركات والباحثين والمجتمع المدني العمل يدًا بيد على نحوٍ يضمن تبني الابتكارات على وجه السرعة وبصورة متساوية في كل بقعة من بقاع العالم. ويبقى تطبيق العدالة والمساواة في إمكانية الوصول إلى التكنولوجيات الحديثة مسألة أساسية، لا سيما على المستوى المحلي وفي أوساط مجتمعات السكان الأصليين، فهم الشريحة التي غالبًا ما تسكن الغابات وتستخدمها وتحميها.
إن أردنا بلوغ أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 فعلينا مواصلة الاستثمار في الابتكارات الحرجية. فهذه الابتكارات هي مفتاح إدارة الغابات إدارة مستدامة، والسبيل إلى التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه والنهوض بسبل العيش. ومع تطبيقنا لذلك، فإننا نجسد رؤيةً بإيجاد عالم ينعم فيه الجميع بحياة أفضل دون ترك أي طرف خلف الركب.