يشكل مشروع قانون مشروعات الشَّراكة بين القطاعين العام والخاص لسنة 2023 المطروح على جدول أعمال الجلسة الاستثنائية لمجلس الامة لبنة أساسية لاستكمال الاطار التشريعي الجاذب والمحفز للاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية، وهنا لا بد من التنويه بالتجربة الأردنية الغنية في مجال إقامة مشاريع الشراكة التي تم إنجاز أغلبها في العقد الأول من هذا القرن ولا زالت هذه المشاريع قائمة وتشارك بفعالية في نهضتنا التنموية.
ومشروع القانون الحالي هو الثالث خلال العقد الأخير، مما يعنى انه قد تم السعي للتوصل الى صيغة استفادت من التجارب السابقة وتراعي المستجدات الاقتصادية والاجتماعية وتوفر متطلبات النجاح لمشاريع الشراكة.
تساهم مشاريع الشراكة في انشاء مشاريع البنية التحتية والمرافق العامة أو اعادة تأهيلها او تشغيلها او صيانتها أو ادارتها أو تطويرها، أو تقديم الخدمات العامة عبر عقود وترتيبات قانونية تتيح الاستفادة من الخبرة والمعرفة الفنية والتقنية الحديثة لدى القطاع الخاص في إنشاء المشروعات وإدارتها، خاصة في الظروف التي لا تتمكن فيها الموازنة العامة للدولة من توفير التمويل اللازم لمثل هذه المشاريع، وفي حال التصميم الجيد لمشاريع الشراكة والتنسيق الفعال بين مختلف الأطراف ذات العلاقة يمكن تحقيق مزيد من الاستدامة والكفاءة بما يؤدي لتحسين الخدمات وضمان شمولها وجودتها بما يتفق واحتياجات المواطنين، مع توزيع المخاطر الاستثمارية بين القطاعين العام والخاص.
ومن البديهي أن مثل هذه الاستثمارات ستساهم في زيادة معلات النمو الاقتصادي وتوفير مزيد من فرص العمل وتسهل إقامة مشاريع رديفة في مجالات أخرى.
وفي هذا الاطار يمكن الإشارة الى إمكانية الاستفادة من مؤسسة التمويل الدولية التي اعتمدت الأردن مؤخراً كمركز إقليمي، سواء من خلال مشاركتها في التمويل او عبر المساعدة في العثور على شركاء مؤهلين من القطاع الخاص لإقامة مشاريع الشراكة.
اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص كنهج اقتصادي واستثماري يسهم الى حد كبير في انجاز الطموحات التنموية التي نسعى لتحقيقها عبر رؤية التحديث الاقتصادي، فالاقتصاد المستدام المستند على التنافسية والكفاءة والمعرفة والتنوع يحقق اسهاماً أكبر ونتائج أفضل، والشراكة بما تتضمنه من تكامل الخبرات وتوسيع الخيارات التمويلية والمسارات الاجدى اقتصادياً واجتماعياً، تشكل إضافة نوعية لجهود التحديث والتطوير، ومع مساهمتها في تقليص الأعباء وتغطية الفجوة التمويلية التي لا تستطيع خزينة الدولة تأمينها تساعد مشاريع الشراكة ايضاً في اتاحة المجال للجهاز التنفيذي لتركيز الجهود على رسم السياسات وإتاحة المجال للقطاع الخاص ليقوم بدور فاعل في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وهكذا يمكن ان نسير نحو توزيع الأدوار بشكل تكاملي لتحقيق أفضل النتائج .
وفي ضوء ارتفاع أعباء المديونية والعجز المزمن في الموازنة العامة وعدم القدرة على توفير التمويل اللازم للمشاريع الاستثمارية، يقوم القطاع الخاص بالعمل على حشد المدخرات وتوفير الخبرات الفنية والإدارية اللازمة وبمعنى اخر جذب وتحفيز الاستثمارات المحلية والخارجية، وهذا بلا شك يشكل دافعاً للقطاع الخاص لمزيد من الابتكار والتطوير الذي يرفع مستوى الإنتاجية والتنافسية لنصل الى إقامة مشاريع وتوفير خدمات ذات جودة عالية وبكلفة معقولة، خاصة وان خبرة القطاع الخاص في توفير التمويل لإقامة المشاريع وإدارتها يؤدي إلى نتائج ومخرجات أكثر كفاءة وفاعلية، سواء من حيث الإطار الزمني للتنفيذ أو من حيث كلفة ونوعية الخدمة المقدمة،ومن جهة أخرى فضرورات التأقلم ستفرض على القطاع العام تحسين خدماته كما ستساعده على تعزيز معايير الحوكمة الرشيدة ومبادئ الإفصاح والشفافية والمساءلة.
نستطيع الجزم بان مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في حال توفر الإدارة المناسبة ومتطلبات النجاح اللازمة، يمكن أن تشكل أداة تنموية تساهم في إقامة المشاريع الاستثمارية، بما فيها المشاريع الكبرى، وتوليد مزيد من فرص العمل وتوفير خدمات وبنية تحتية تستوعب الطلب المتزايد في مختلف المجالات وبالتالي تحقيق تنمية اقتصادية تشكل بدورها رافعة لتحقيق تنمية بشرية شاملة ومستدامة، وهذا ما نحتاجه لتحسين مستوى معيشة المواطنين ومجابهة تحديات الفقر والبطالة بالاستناد الى نمو اقتصادي مستدام عبر تحسين بيئة الاعمال ومناخ الاستثمار والمضي قدماً في تحديث الإدارة العامة، واستكمال الخطوات اللازمة لتحقيق هذه الغاية.